الدكتور محمد داود يكتب : من آفاق التفكير العلمي فى القرآن والسنة
العلم يقوم على الحقائق، ويصل الإنسان إلى الحقائق حين يتمكن من أدوات المعرفة والبحث العلمى، وحين يكدُّ عقله فى قوة الملاحظة ودقة المشاهدة، وعمق التفكير، ودوام التدبر والتأمل.. والمتدبر لآيات القرآن الكريم يظهر له بوضوح أنها أسست للتفكير العلمى، وحثت عليه، وكذلك السنة النبوية المطهرة, ولنا أن نتأمل المحاور القرآنية التالية التى يظهر فيها المحاور الرئيسية لأسس التفكير العلمى.
* القرآن يعرض الحقائق بأسلوب علمى واضح، فكثير من آيات القرآن جاءت فى صورة مقدمات تؤدى إلى نتائج، من ذلك قوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) النحل/ 97
(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ) الطلاق/ 2. (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) الطلاق/ 3. (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ) التغابن/ 11. ( مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِه) النساء/123. ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ) الزلزلة/ 7. (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) الشمس/ 9-10 ….. إلخ .
* محاربة القرآن للتقليد الأعمى : قال الله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ) البقرة/ 170. وقال تعالى( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ) البقرة/ 166.
* الواقعية والموضوعية: فالإسلام دين الفطرة، قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) الروم/30. وقال تعالى: ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ )البقرة/286.
* اعتماد القرآن على أسلوب الحجة المنطقية والإقناع العقلى حتى فى أعظم ما فى الوجود، وهو الذات الإلهية:
وذلك فى مثل قوله تعالى: (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) الأعراف/ 59. ( هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) لقمان/11. ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )الروم/40.
* الآيات التى تعدد مظاهر القدرة الإلهية لتكون دافعًا للإيمان بالله، مثل: (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ) فاطر/3. ( اءله مَعَ اللَّهِ) النمل/60. (إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ )الملك/21. (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا )الفرقان/45. (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (القصص/71.
* تزكية القرآن للعقل: (وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ) العنكبوت/43. (أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) البقرة/44. (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ )الرعد/19.
* حث القرآن على التفكير والتأمل والتدبر: (لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) الأعراف/176. (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ( آل عمران/191. ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ) النساء/82. ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا )محمد/24.
* يثير القرآن فى النفس روح التأمل والملاحظة العلمية لقراءة مظاهر القدرة فى كون الله المفتوح: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )العنكبوت/20.
(ارْجِعِ الْبَصَرَ )الملك/4. (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ) النحل/48. (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ )الرعد/41.
* القرآن يلفت انتباه الإنسان إلى أدوات الحس والبحث والإدراك: السمع والبصر والفؤاد: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولً( الإسراء/36. (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) الحج/46.
* القرآن يحارب الخرافة ويستبدلها بالعلم: وذلك حين أراد الله عز وجل أن يظهر تأييده بالمعجزات لسيدنا سليمان عليه السلام فكانت الغلبة لمن عنده علم من الكتاب، قال تعالى: (قَالَ عِفْريتٌ مِن الجن أنا آتيك بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ) النمل39- 40 .
القرآن يحارب العشوائية: (إنا كل شئ خلقناه بقدر ) القمر 49, (ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شئ قدرا)الطلاق 3.
* تقدير النبى صلى الله عليه وسلم لعدد المشركين في غزوة بدر من سؤال الغلام: كم ينحرون في اليوم؟ , النبى صلى الله عليه وسلم واسلوب الحوار والمناقشة في تحديد منزل القوة ببدر, وحكاية خباب بن الارت حين سأل:أهو الوحى أم هو الرأى والمشورة؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم: ” بل هو الرأى والمشورة” فأشار خباب على المسلمين بالنزول قريبا من الماء , وكان هذا أحد اسباب النصر للمسلمين , النبى صلى الله عليه وسلم يعتمد اسلوب التخطيط بدلا من العشوائية والتهور والاندفاع في الهجرة الشريفة: اعداد الزاد, الراحلة, تغيير الاتجاه, اصطحاب الدليل, ومن يمحو الاثر, الاختباء بالغار.. إلخ .
فالنبى صلى الله عليه وسلم يحارب العشوائية , النبى صلى الله عليه وسلم يحث على الاخذ بالأسباب واتقانها, كما في قوله صلى الله عليه وسلم :”اعقلها وتوكل”, وقوله صلى الله عليه وسلم:” ان الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه”.
دعوة النبى صلى الله عليه وسلم الى النظام :والناظر الى العبادات يظهر له بوضوح توزيع أعمال العبادة على اليوم والليلة في اوقات محددة, وان لكل عبادة أقوالا محددة وافعالا معلومة, والعبادات الجماعية كالصلاة والحج لها مظهر منظم ظاهر للعيان .
إشكالية العقل العربى المعاصر : المتأمل للواقع المر للعقل المعاصر يرى أن الخلل قد استشرى فيه, ومن اخطر ما يعانيه العقل العربى المعاصر هذه الاشكاليات :
1- يرتد الى الوراء ولا يستشرف المستقبل
2- الاستغراق في الغيبيات واهمال الواقع الى بين يديه والذى هو مكلف به .
3- تفسير القيم والاخلاق الاسلامية تفسيرا سلبيا يعوا الى الكسل والخمول والتراخى عن العلم والعمل , والتخلى عن المسئولية, وتحميل الاقدار مسئولية كل السلبيات التى هى فيه .
4- تفسير الدين بمنطق العاهات المزمنة .
5- العلاقة بين قوى التجديد وقوى التقليد علاقة أقرب الى التضاد, مما جعلها اقرب الى الركود وأبعد عن التقدم .
6- جهودنا الفكرية فردية لا تحسن العمل بروح الفريق حتى اصبحت الدولة ضد المجتمع والمجتمع ضد الدولة, مما أضعف الأنا العربية والاسلامية .. وما يعقلها إلا العالمون.. وما يذكر إلا أولو الألباب.. فاعتبروا يا أولى الابصار .بصار ابصار .